Page 71 - web
P. 71

‫‪437‬‬  ‫ظاهـرة الإعلام والتواصـل الاجتماعـي‪ .‬وأغلـب‬               ‫العالم العربي يجد أن‬                       ‫اسـتطلاعات الـرأي العـام ‪.)Dobby Duffy‬‬
     ‫هذه الدراسـات‪ ،‬التي بدأت تظهر في السـنوات‬                ‫سهولة دخول وسائل‬                          ‫مصـدر الخطـورة المتلاعبـون في إنتـاج القصـص‬
     ‫العشـر الماضيـة‪ ،‬اهتمـت‪ ،‬مثل ًا‪ ،‬بمعرفـة‬                ‫التواصل الإجتماعي إلى‬                      ‫والأخبـار الكاذبـة التـي يطلقونهـا على‬
     ‫الآثـار الدينيـة لوسـائل التواصـل الاجتماعـي‬           ‫الوجدان الشعبي وتطور‬                        ‫منصـات التواصـل‪ ،‬فهـؤلاء يشـكلون خطـورة‬
     ‫على الأمـن الفكـري‪ ،‬بالـذات تقصي اسـتخدام‬                                                          ‫خاصـة؛ لأنهـم يضعـون أصابعهـم على نبـض‬
     ‫التواصـل لترويـج مواقـع الفـرق المنحرفـة‪،‬‬                  ‫الاعتماد عليها ربما‬                     ‫الانقسـامات الاجتماعيـة والسياسـية في‬
     ‫ونشـر الأفـكار الإلحاديـة‪ ،‬وغيرهـا ممـا يثير‬         ‫يجعلها أداة فعالة لتغذية‬                      ‫المجتمـع‪ ،‬والمعلومـات المضللـة تجـد جمهورهـا‬
     ‫الإربـاك وتضـارب المـدركات النفسـية والفكريـة‬                                                      ‫حسـب التقسـيمات السياسـية والأيديولوجية‪.‬‬
                                                               ‫الانقسامات الداخلية‬                      ‫وبالنسـبة لنـا في العالـم العربـي‪ ،‬نجـد أن‬
                              ‫بالـذات للشـباب‪.‬‬                                                          ‫سـهولة دخـول وسـائل التواصـل الاجتماعـي‬
     ‫وحتـى في الـدول الغربيـة حظيـت ظاهـرة‬             ‫ارتفـاع تقـدر بـ‪ 2.0 ‬مليـون بين إبريـل ‪2019‬‬      ‫إلى الوجـدان الشـعبي وتطـور الاعتمـاد عليهـا‪،‬‬
     ‫وسـائل التواصـل الاجتماعـي باهتمـام الباحثين‬      ‫وينايـر ‪ .2020‬وهـذه الأرقـام تتغير وتتصاعـد‬      ‫ربمـا يجعلهـا أداة فعالـة لتغذيـة الانقسـامات‬
     ‫والمفكريـن المتخصصين‪ ،‬ومـن هـؤلاء المـؤرخ‬         ‫باسـتمرار‪ ،‬وتوضـح مـدى أهميـة وخطـورة‬            ‫الداخليـة السياسـية والدينيـة والاجتماعيـة‪،‬‬
     ‫الإسـكتلندي نيـل فريجسـون الـذي يـرى أن‬                                                            ‫ووسـيلة لتغذيـة وتسـهيل نمـو شـبكات‬
     ‫تكـون الشـبكات الاجتماعيـة ليـس ظاهـرة‬                      ‫التواصـل الاجتماعـي على حياتنـا‪.‬‬       ‫الجريمـة المنظمـة‪ .‬وحالـة الإحسـاس بالمخاطـر‬
     ‫حديثـة بالقـرن الحـادي والعشـرين‪ .‬في كتابـه‬       ‫الإقبـال الكبير على التواصـل الاجتماعـي‪ ،‬كمـا‬    ‫يعززهـا سـرعة نمـو مسـتخدمي مواقـع‬
     ‫(السـاحة والبرج‪ :‬الشـبكات والتسلسلات‬              ‫أن لـه فوائـد عديـدة في أمـور حياتنـا‪ ،‬أي ًضـا‬   ‫التواصـل في الـدول العربيـة‪ ،‬فقـد وصـل عـدد‬
     ‫الهرميـة والنضـال مـن أجـل القـوة العالميـة)‬      ‫تتضـح مخاطـره على جبهـة أخـرى تتطلـب‬             ‫مسـتخدمي مواقـع التواصـل إلى ‪ 136.1‬مليـون‬
     ‫‪ . The Square and the Tower‬يعتقـد‬                 ‫تدخـل الحكومـات‪ .‬نقصـد هنـا أهميـة حمايـة‬        ‫شـخص أي نحـو ‪ 53%‬مـن عـدد سـكان الـدول‬
     ‫فيرجسـون أن الشـبكات الاجتماعيـة ليسـت‬            ‫الناس من التغول الاستهلاكي الذي أدى لبروز‬        ‫العربية في عام ‪2019‬؛ والدول العربية تتفوق‬
     ‫شـي ًئا جديـ ًدا‪ ،‬فاخرتاع الطباعـة أدى لنمـو‬      ‫مفهـوم (الأمـن الاقتصـادي للمجتمعـات)‪.‬‬           ‫على الدول المتقدمة في مدة استخدام الإنترنت‬
     ‫شـبكة الوعـاظ البروتسـتانت الذيـن قـادوا‬          ‫الغالبيـة العظمـى مـن النـاس مشـغولة‬             ‫بأكثر مـن سـاعة ونصـف يوم ًيـا على الأقـل‪،‬‬
     ‫حركـة الإصلاح والتنويـر الدينـي في أوروبـا‪ ،‬ثـم‬   ‫بحياتهـا اليوميـة‪ ،‬وهـذا يجعلهـا عرضـة‬           ‫وذلـك بالنسـبة للفئـة العمريـة مـن(‪)64 - 16‬‬
     ‫تطـورت شـبكة الماسـونيين الذيـن قـادوا الثـورة‬    ‫للاخرتاق النفسي والذهنـي المتقـدم الـذي‬          ‫عا ًما‪ ،‬إذ إن متوسـط مدة تصفح المسـتخدم في‬
                                                       ‫يسـتفيد مـن التطـور الكبير في علـم الأعصـاب‬      ‫السـعودية على سـبيل المثـال بلـغ أربـع سـاعات‬
                                     ‫الأمريكيـة‪.‬‬       ‫والسـلوك الإنسـاني لأجـل التأثير على سـلوك‬       ‫و‪ 14‬دقيقـة؛ وفي مصـر بلـغ ثلاث سـاعات و‪55‬‬
     ‫ويـرى أن نمـو الشـبكات الاجتماعيـة هـو الـذي‬      ‫النـاس وتحويـل حضورهـم وتفاعلهـم في‬              ‫دقيقـة؛ وفي الإمـارات وصـل إلى ثلاث سـاعات‬
     ‫سـرع في انهيـار النظـام القديـم للبنـى والهيـاكل‬  ‫منصـات التواصـل إلى (سـلعة) تبـاع للمعلنين‪.‬‬      ‫و‪ 53‬دقيقـة؛ أمـا في المغـرب فتبلـغ المـدة ثلاث‬
     ‫السياسـية التـي سـادت في أوروبـا لعـدة قـرون‪.‬‬     ‫هـذا التطـور يوصـف بـ ‪Surveillance‬‬               ‫سـاعات و‪ 31‬دقيقـة‪ .‬هـذا حضـور مخيـف ولـه‬
     ‫ويـرى أن عصرنـا هـو العصـر الثـاني للشـبكات‪،‬‬      ‫‪( Capitalism‬رأسـمالية المراقبـة)‪ ،‬إذ يتـم‬
     ‫حيـث يـؤدي الكمبيوتـر دور المطبعـة‪ .‬ويعتقـد‬       ‫مراقبتهم عبر الذكاء الاصطناعي لاستغلالهم‬             ‫آثـاره الاجتماعيـة والاقتصاديـة السـلبية‪.‬‬
     ‫أن الشـبكات لهـا جانـب مظلـم‪ ،‬فهـي عرضـة‬          ‫ودفعهـم لتنميـة العـادات الشـرائية للخدمـات‬      ‫في العـام الميلادي المـاضي شـهد العالـم دخـول‬
     ‫للتكتـل والعـدوى حتـى الانقطاعـات‪ .‬ويتخـوف‬        ‫والمنتجـات الاسـتهلاكية غير الضروريـة‪ .‬وهـذه‬     ‫مـا يقـارب مليـون ونصـف مسـتخدم يومـي‬
     ‫مـن عـودة طبيعـة الصراعـات الماضيـة إلى عالمنـا‬   ‫المراقبـة تـؤدي إلى تكريـس ثقافـة الاسـتهلاك‪،‬‬    ‫جديـد لشـبكات التواصـل الاجتماعـي‪ .‬ويصـل‬
     ‫المعاصـر؛ نظـ ًرا لوجـود أوجـه تشـابه مقلقـة‬      ‫وإلى تراجـع القـدرات الماليـة للنـاس‪ ،‬وتدفعهـا‬   ‫عـدد المسـتخدمين للشـبكات عـام ‪ 2020‬إلى‬
     ‫اليـوم‪ ،‬في زمـن فيسـبوك‪ ،‬وتنظيـم داعـش‪،‬‬           ‫إلى (دوامـة الديـون)‪ ،‬وهـذا لـه آثـاره السـلبية‬  ‫أكثر من ‪ 3.6‬مليار شخص حول العالم‪ ،‬ومن‬
                                                                                                        ‫المتوقـع أن يصـل هـذا العـدد إلى مـا يقـرب مـن‬
                                 ‫وعالـم ترامـب‪.‬‬                   ‫المباشـرة على الأمـن الاجتماعـي‪.‬‬      ‫‪ 4.41‬مليـار في عـام ‪ .2025‬وفي السـعودية يبلـغ‬
     ‫سـوف تبقـى ظاهـرة التواصـل الجديـدة‬               ‫الأمـر الإيجابـي الـذي يسـتحق الوقـوف عنـده‬      ‫عـدد مسـتخدمي الإنترنـت ‪ 4.3‬مليـون بارتفـاع‬
     ‫وتأثيراتهـا على الأمـن جاذبـة للاهتمامـات‬         ‫هـو تطـور الدراسـات والأبحـاث والرسـائل‬          ‫‪ 15‬بالمئـة بين عامـي ‪ 2019‬و ‪ .2020‬بينمـا بلـغ‬
     ‫بأنواعهـا‪ ،‬والأهـم أن يتصـدر ذلـك اهتمـام‬         ‫العلميـة (ماجسـتير ودكتـوراه) التـي تتنـاول‬      ‫عـدد مسـتخدمي مواقـع التواصـل الاجتماعـي‬
     ‫مراكـز الدراسـات والأبحـاث العلميـة‪ ،‬واهتمـام‬                                                      ‫‪ 25.00‬مليـون مسـتخدم في ينايـر ‪ 2020‬بنسـبة‬
     ‫صنـاع السياسـات في الحكومـات‪ ..‬فالضبـط‬
     ‫العلمي لهذه الظاهرة هو المطلوب وهو الأهم‪.‬‬

     ‫‪71‬‬
   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75   76